«في ديسمبر».. تبدأ كل الأحلام

قرأت كتاب” في ديسمبر تنتهي كل الأحلام” للكاتبة أثير عبد الله النشمي، لست من قراء الروايات ولكن جذبني عنوان الكتاب، واعتقدت انه يتحدث عن شهر ديسمبر باعتباره آخر شهر في العام، وكيف يمكن أن يكون شهر ديسمبر نهاية للأحلام التي تمنينا أن نحققها خلال العام، ورغم الطابع الأدبي للعنوان إلا أنني لوهلة اعتقدت أن الكتاب يحكي عن وضع الخطط والاستراتيجيات للعام الجديد.
وجاء إلى ذهني وقتها، أن معظم الأشخاص الناجحين يراجعون حساباتهم وإنجازاتهم وخططهم في شهر ديسمبر، ليقيموا أداءهم، بل أن حتى المؤسسات تقيم ميزانياتها وتراجع مؤشراتها مع نهاية العام.
ورغم أني ممن لا يجيدون قراءة الروايات، إلا أن هذه الرواية كانت جاذبة، فأنهيت قراءتها واستمتعت بشخصياتها وأجوائها المختلفة، بل إن عنوان الكتاب أوحى لي أن ديسمبر هو شهر التقييم، وتساءلت: ماذا لو فعلا أتينا إلى شهر ديسمبر لنكتشف أن جميع الخطط التي وضعناها للعام انتهت مثل الأحلام ولم تتحقق.
لقد كان هذا العام( 2020) غريبًا جداً، حيث لم يكن في حسبان أحد أن يأتي يوم وتتوقف عجلة الحياة عن الدوران، ويقف الزمان متأرجحاً بين أهداف وخطط وضعناها، وبين ضيف ثقيل دخل بلا استئذان وأطال الجلوس.
الزمان توقف برهة ليستوعب من كان مستعداً أنه قد آن الأوان للانتقال للخطة البديلة، لمراجعة ما لدينا من إمكانات لتجاوز الموقف.. البعض لم يطل الوقوف كثيرًا، فسرعان ما جاءت الخطط البديلة لتحل محل الخطط الآنية، وخرجت من بين الدرجات عوامل القوة والفرص لتطغى على عامل المفاجأة والأزمة.. خرجت المقومات والأساسات القوية لتثبت انتصار التخطيط والعمل الدؤوب على التسويف والمفاجأة والعمل العشوائي.
في أماكن استمر العمل ليس بالنمط القديم ولكن بنمط حديث جديد ومغاير، وفي أماكن أخرى توقف العمل ونبض الحياة، لتدخل تلك الأماكن في أزمة اختيار التأجيل.. تأجيل الدراسة والعمل والتسوق والحياة لما بعد الأزمة.
وها هي الأزمة تطول لتطوي في ثناياها معظم شهور العام، ومن تعامل معها بحكمة وتنظيم وتخطيط فقد تجاوز معظم تأثيراتها السلبية، بل أنه استفاد من دروسها، وانتهز الفرص التي جاءت بها.
في ظل الأزمة، افتتحت دولة الإمارات محطة الطاقة النووية (براكة)، وأطلقت دولة مسباراً إلى المريخ، وشرعت في استراتيجيَّة عمل وطنيَّة استعاداً للخمسين، يشارك فيها جميع أطياف المجتمع الإماراتي، هذا فضلاً عن إنجازات أخرى لا مجال للخوض بها.
هنا استمرت في الإمارات، استمرت الحياة، واستمر العمل، واستمرت الدراسة، بينما توقفت الحياة في أماكن أخرى في انتظار زوال الأزمة، مما أدخل تلك الأماكن في دوامة أزمات أخرى.. لقد خطر ببالي هذا، وأنا أقرا عنوان كتاب” في ديسمبر تنتهي كل الأحلام”.. نعم نحن في ديسمبر، وهناك أحلام ستطوى لأولئك الذين لم يحسنوا التخطيط ولم تكن لديهم قدرة على إدارة الأزمة.. نعم ستنتهي الأحلام لأولئك الذين تبنوا التسويف والعشوائية، ونعم ستنتهي الأحلام لأولئك الذين لا يجيدون مهارة الحلم.
لكن شهر ديسمبر بالنسبة لآخرين سيكون بداية أحلام جديدة، وخطط جديدة، وأهداف جديدة.. شهر ديسمبر هو نهاية عام، لكنه أيضا بداية جديدة لمن يحسنون التخطيط، ويستشرفون البعيد ويصنعون المستقبل.
ديسمبر هو شهر وضع الأهداف وتقييم الأداء للذين يفخرون بإنجازاتهم، وأولئك أقول لهم:
ــ هنيئاً لكم النجاح
وللذين لم يحالفهم الحظ أقول:
ــ اجعلوا من شهر ديسمبر بداية لأحلام جديدة.. استفيدوا من الدروس السابقة، وابدأوا بالحلم الكبير، وضعوا الخطط للوصول إلى ذلك الحلم.
ألقاكم في العام الجديد.